بيوت
لله.. وليس للرئيس
صلاح عيسي.....المصري
اليوم 22 /02/2013
أصدرت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية فى الأسبوع
الماضى، حكماً بحظر استخدام منابر المساجد لتحقيق أهداف سياسية أو حزبية، وقالت هيئة
المحكمة - التى ترأسها المستشار «د. محمد عبدالوهاب خفاجى»، نائب رئيس مجلس الدولة،
وضمت فى عضويتها المستشارين «عوض الملهطانى» و«خالد جبر» و«أحمد درويش» - فى حيثيات
حكمها، إن المسجد هو قلب المجتمع الإسلامى.. وملتقى المؤمنين لأداء حقوق الله واستلهام
الرشد واستمداد العون منه، وإن مهمة الأئمة والخطباء، خاصة فى أيام الجمع هى «أن يشرحوا
للمصلين تعاليم الإسلام ويبينوا لهم حدود الله، ويفقهوهم بما فى الكتاب والسنة من عظات
وآداب»، لذلك «يتعين عليهم ألا يستخدموا منابر المساجد فى تحقيق أهداف سياسية أو حزبية،
ويجب عليهم أن يبتعدوا عن التيارات السياسية انضماماً لطرف وطعناً فى الآخر.. فلا يجوز
خلط الدين بالسياسية».
وأضافت حيثيات الحكم أن على الأئمة والخطباء
أن يستمدوا خطبهم من معانى الفضائل الإسلامية، التى وردت فى الكتاب والسنة وآثار السلف
الصالح لأن فيها «ما يغنى عن التعرض للأمور الخلافية التى تتعصب لوجهة نظر معينة أو
الخوض فى الجدل السياسى بين الأطياف المختلفة، فالمسجد يجب أن يجمع ولا يفرق ويلم شمل
الأمة، فقد شقى المسلمون بالفرقة زمناً طويلاً وعاشوا فى ضيم وظلام بسبب عدم مراعاة
ذلك».
ومع أن الصحف التى نشرت مؤخراً حيثيات هذا الحكم،
لم تحدد موضوع القضية التى صدر بشأنها، ولا الجهة الإدارية التى صدر ضدها، إلا أنه
يرتبط ولو بشكل غير مباشر، بظاهرة سياسية ودينية قديمة، عادت للبروز من جديد منذ سبعينيات
القرن الماضى، حين اتخذت جماعات الإسلام السياسى، من عدد من المساجد الأهلية، مقار
حزبية لها، تمارس فيها نشاطها السياسى، وحولتها - بذلك - إلى مجتمع لتجنيد الأنصار،
ومراكز للاتصالات والاجتماعات السرية فيما بين قادتها وقواعدها، ومساحة لنشر أفكارها
الفقهية، وفى بعض الأحيان إلى مخازن للأسلحة، حتى أصبح لكل جماعة منها، مساجد بعينها،
تديرها بنفسها، وتقصرها على أعضائها والمتعاطفين معها، ويحتكر الخطابة وإلقاء الدروس
الدينية فيها دعاتها.. وتقدم عبر ملحقات المسجد، خدمات متعددة للمواطنين، خاصة فى المناطق
الفقيرة، تعجز الدولة عن تقديمها لهم، فيزداد عدد المؤلفة قلوبهم الذين ينضمون إلى
صفوفها.
وهكذا حولت هذه الجماعات بعضاً من بيوت الله
إلى بيوت لها، واستغلت الحصانة التى تكفلها لها القوانين والأعراف - باعتبارها دوراً
للعبادة - فى أمور بعضها يخالف القانون، والآخر يخالف تعاليم الإسلام نفسه، كالتخطيط
لعمليات اعتقال وحملات تأديب ضد خصومهم، وأصبحت بعض منابرها مساحة للطعن فى أعراض الآخرين
وإصدار أحكام بالكفر بحق الذين يختلفون معهم فى الرأى أو فى الاجتهاد، بما فى ذلك المنتمون
إلى التيار نفسه.
وهكذا دخل المسجد طرفاً فى الصراع السياسى بين
الحكومات وبين أعضاء هذه الجماعات، ليس باعتباره مسجداً، ولكن باعتباره مقراً لأحزاب
معارضة، وكما شهد المسجد اغتيال الخليفة عمر بن الخطاب، شهد كذلك اغتيال الملك عبدالله
الأول ملك الأردن، ورئيس الوزراء الإيرانى «رزم آراه» عام 1951، وحاول «جيهمان العتيبى»
فى أواخر السبعينيات الاستيلاء على الحرم المكى، ولم تتورع حكومة «حماس» فى غزة قبل
سنوات عن تدمير أحد مساجد القطاع، بعد أن تحصن به زعيم إحدى الجماعات الإسلامية المتشددة
وأنصاره وأطلقوا من نوافذه وسطحه ومئذنته النيران على أجهزة الأمن التى جاءت للقبض
عليهم لمعارضتهم سياسات الحكومة الإسلامية.
وخلال الشهور الأخيرة، شهد عدد من مساجد مصر،
مشادات بين خطيب الجمعة والمصلين، لأنه كان يتطرق فى خطبته إلى أمور سياسية يختلفون
فيما بينهم حولها، فينحاز فيما يقول إلى رأى فريق منهم، مما يدفع أصحاب الرأى الآخر
إلى مطالبته بعدم التطرق إلى أمور سياسية يختلف فيها الناس، وفى مساجد أخرى شن خطيب
الجمعة حملة عنيفة على زعماء الأحزاب المعارضين لسياسات الرئيس محمد مرسى، ووجه إليهم
خلالها اتهامات بالمروق من الوطنية والخروج عن الإسلام، وهو ما أثار أنصار هؤلاء من
المصلين فطالبوه بالنزول عن المنبر.
والغريب أن بعض خطباء المساجد يرون أنه ليس من
حق المصلين الاعتراض على تطرقه للسياسة فى خطبته، ويعتبرون أن ذلك مؤامرة يدبرها أقطاب
المعارضة عبر عناصر من أنصارهم يندسون بين صفوف المصلين لإثارتهم ضده، وسمعت أحدهم
فى برنامج تليفزيونى يقول بصراحة يحسد عليها، إنه تنبه لهذه المؤامرة، فأمر بعض أنصاره
بالتربص بهؤلاء، فما إن تبدر من أحدهم كلمة اعتراض على ما يقوله فى هذا الشأن، حتى
ينقضوا عليه ويخرجوه عنوة من المسجد وقفاه يقمر عيش، ويقولوا له: اللى مش عاجبه خطبة
الشيخ يدور على مسجد تانى يصلى فيه!
ومع أن حكم محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية
قد أسعدنى، إلا أننى لا أعرف من هى الجهة الإدارية التى يخاطبها هذا الحكم.. وهل فى
مقدورها أن تنفذه أم لا.. ما أعرفه أن القوانين المصرية تزدحم بمواد تخلط بين الدين
والسياسة وتحظر ممارسة أى نشاط سياسى أو تشكيل الأحزاب على أساس دينى، وتحظر استخدام
دور العبادة للدعاية السياسية والانتخابية.. ومع ذلك فإن أحداً لا ينفذ أى مادة.. والغالب
أن الأمر سوف ينتهى بتعليق لافتة على بعض المساجد، تقول: ممنوع دخول المعارضين للرئيس
مرسى!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق