نهاية الربيع العربي...
ولكن لا عودة إلى الوراء
جزء من مقالة :
جمال خاشقجي *
السبت ٢ فبراير ٢٠١٣
هل انتهى الربيع العربي؟ نعم لقد انتهى بدفئه
ورومانسيته، تحوّل إلى «عالم الواقع» بكل مرارته، وضع اقتصادي مترد،
أجهزة حكومية متداعية ورثتها الأنظمة الجديدة، بالطبع لن يقتنع مصري واحد عندما
يصرح وزير النقل بأن 85 في المئة من شبكة السكة الحديد في مصر انتهى عمرها
الافتراضي، ليبرر حوادث القطارات التي قتل فيها عشرات المصريين أخيراً، وأن النظام
السابق هو المسؤول بإهماله وفساده، المواطن المصري الغاضب لم يعد يرى مبارك
ونظامه، الوزير الحالي هو المسؤول اليوم ومعه الرئيس مرسي وحركة الإخوان المسلمين،
وسينادون برأسه متى وقعت حادثة أخرى. تزيد الطين بلة، بيئة سياسية مراهقة، تتصيد
الأخطاء وتتربص، وحكومة صعدت للسلطة من دون خبرة أو مشروع.
انتهى الربيع العربي، ولكن «الثورة العربية»
مستمرة بغضبها وثاراتها وتحولاتها التي لا تتوقف، المحلل المتفائل قال في زمن
ازدهار الربيع، وهو يرى المواطن المصري يعيد طلاء أرصفة ميدان التحرير، والليبي
يحضن أخاه ويبكي، إن العربي سيمضي في نهضته الجديدة، وقد استوعب أخطاء الثورات السابقة،
زاعماً أن ثمة خبرة إنسانية جمعية تتراكم، وأن العربي المواطن والسياسي قرأ
واستوعب تجارب سبقته.
أما المحلل المتشائم أو الواقعي الذي خف صوته
في بدايات الربيع خشية أن يوصف بأنه «فلول»، فله الآن أن يمد رجليه، ويحاضر فينا
كيف أن الثورات كائن حي تتصرف وتتحوّل وفق سنن كامنة فيها، بعيداً عن مثالية
الثوار الحالمين، فيقول إن مصر وهي الجائزة الكبرى للربيع، ستحتاج عقداً كاملاً من
الزمان على الأقل ريثما تستقر، ثم يحاضر على السامعين في تاريخ الثورة الفرنسية، وكيف
استغرقت عقداً لتهدأ، ثم عقوداً لتكمل تحولاتها نحو نظام ديموقراطي فعال.
ولكن كلا المحللين سيتفق على أن لا عودة
للماضي، قد يسقط مرسي أو يضطر لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة (وفي ذلك حركة التفاف
ذكية من الإخوان)، ولكن لن يرجع بالتأكيد نظام مبارك أو ما يشبهه، حتى لو تسلم
الجيش السلطة، فسيكون ذلك موقتاً، ريثما يعاد ترتيب المسرح الديموقراطي، لن يختفي الإخوان،
ولن يستطيع أحد حظرهم من جديد، وكذلك لن يختفي أحد من القوى الليبرالية التي
ستتفكك من جديد، بعدما تحقق سبب اجتماعهم في «جبهة الإنقاذ»، وهو إسقاط نظام
الإخوان.
سيلف المصريون ويدورون، ومعهم كل الربيعيين
العرب بحثاً عن صيغة للحكم ترضي الجميع، خصوصاً النخب الليبرالية التي لم تستوعب
صعود القوى المهمشة، قد تتوقف الحياة السياسية على يد الجيش مدة عام أو عامين،
ولكنها عندما تستأنف لا مفر من العودة لصندوق الانتخاب أو الفوضى، لن يستطيع ضابط
مصري وسيم مرة أخرى أن يحكمهم «بشرعية الثورة» بخطب ووعود، لقد جرب المصريون كل هذا،
ولا أن يحل الأحزاب «التي فرّقت الأمة» ويشكّل «مجلساً وطنياً»، فلا مكان في هذا
الزمن لاتحاد اشتراكي جديد، حتى لو رفع الضابط الوسيم راية الدين الرائجة هذه
الأيام، قد يجد شيخاً سلفياً ينظر له فكرة «مجلس أهل الحل والعقد»، ولكن عليه أن
يحيطه بعشرات الدبابات، ليحميه من شباب الثورة رقم 4 أو 5.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق