04‏/12‏/2012

خذوا الحكمة من افواه ال...


قصة قصيره ( لبيبه الهابله )


رأيتها تجلس على الرصيف ، كما هي لم تتغير ، ملابسها البالية المتسخة تكشف أكثر مما تستر ، شعرها الطويل الأشعث الذي يغطي وجهها ، تمسك لقيمة خبز تكالب عليها الذباب من كل حدب و صوب ، رائحتها الزاكمة للأنوف لم تتغير ، انزويت جانبا ، أخذت أنظر إليها ، (لبيبة الهابلة) ؟

ضوء الإشارة الحمراء صبغ جموع الناس الذين يعبرون الشارع أمام سيارتي بالخطر المحدق ، الأنفلونزا ، هذا الفيروس الذي يتلون كالحرباء ،

كلما هممنا بالقضاء عليه هاجمنا بإستراتيجية جديدة ،

هذه المرة يأتي مرتديا قناع الخنازير ،

ترى ، كم سيحصد من البشر هذه المرة ؟

أصوات أبواق السيارات من خلفي تطالبني بالتحرك ،

سيل من اللعنات و السب العلني انهال على أذني ،

آثرت النجاة بنفسي من بطش ألسنتهم ،

فجأة ، وجدت شخصا أمام السيارة ،

رعب سيطر على أوصالي ،

دست بكلتا قدماي على الفرامل ،

صرخة العجلات المسكينة من شدة احتكاكها بالإسفلت شقت السكون ،

أخذت أصرخ :ـ يا لطيف يا لطيف يا لطيف ..الله اكبر.. الله اكبر

بالكاد لامست مقدمة السيارة أطراف الملابس برفق ،

لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم ،

سقط وجهي بين كفي ، تنهدت الصعداء ،

استغفر الله العظيم ، استغفر الله العظيم ،

رفعت رأسي للتأكد من صدق ما حدث ،

امرأة ؟ غير معقول ، من ؟

( لبيبة الهبلة ) ؟

شعرها الأشعث الطويل يغطي معظم وجهها ،

ملابسها البالية المتسخة تكشف أكثر مما تستر ،

أخذت تركل السيارة ، انهالت علي بكمية لا بأس بها من السب و اللعن ،

دفنت وجهي بين راحتي يدي منتظرا انتهائها من وصلتها السبابية ،

فتحت باب سيارتي و نزلت ، لعلها تسكت عندما تراني ،

بالفعل تفاجأت ، صرخت محاولة التبرير : ـ يعني كده برضه بنات الناس مالهمش قيمة عند سعادتك ؟

ـ معلش يا خالة لبيبة ، سامحيني ....

ـ سامحيني إيه و زفت منيل إيه يا سي الأستاذ ؟ كنت عملت إيه انا بقى بسامحيني دي لما تدوسني ؟ كنت أصرفها من الترب إن شاء الله ؟

( تدخل أحد الواقفين )

ـ الراجل مش غلطان يا ولية انتي اللي غلطانة ....

ـ و انته مال أهلك ؟ واحد و كان ها يدوس خالته ، مالك انته تتدخل ليه ؟ و الا انته متعود تتحشر كده بين الناس و خالاتهم ؟ أما غريبة و الله !

( وضع الرجل يده على كتفي )

ـ يلا يا أستاذ روح شوف حالك ، دي ولية هبلة سيبك منها ...

ـ هبلة يا ابن الأهبل ؟ طب و الله ما هو ماشي ( أمسكت بملابسي ) لما أشوف ها يسمع كلام مين فينا ؟

ـ اشبعي بيه ، مش بيقولك يا خالتي يستاهل بقى ؟

انصرف الرجل بينما أخلت هي سبيلي و أخذت تنظف ملابسي من أثر مسكتها

ـ أديني وسخت لك هدومك أهوه ، عاجبك كده ؟

ـ عادي يا خالة لبيبة و لا يهمك ، تعالي لما أوصلك .

ذهبنا نركب السيارة و انطلقنا ،

لفت نظرها علبة أضعها بجواري ، تساءلت ببراءة :

ـ دي أكل دي و الا إيه يابيه؟

ـ لا دي كمامات عشان الأنفلونزا بتاع الخنازير ...

ـ دي ايه انفلوزا الخنازير دي كمان ؟

ـ فرة كده زي اللي بتيجي للفراخ و البط ، بس دي بتيجي للناس .

ـ طب ما تعملوا زي ما أنا عملت مع البط بتاعي .

ـ نعمل إيه ؟ مش فاهم .

ـ البط بتاعي كان كل ما يخرج من العشة مع بقية البط ، تموت لي بطتين تلاتة ، بعيد عنك كانت فرة و ماشية ، قمت أنا و جاراتي حابسين البط بتاعنا لغاية لما الفرة عدت ،

و من يومها ما ماتتش و لا بطة ، ما تعملوا كده .

( أخذني الضحك ، بادرتها )

ـ نعمل إيه بس يا خالة لبيبة ؟

ـ اللي بيقولوا عليه حصر تجول .

ـ ايه هو حصر التجول ده ؟

ـ أيوة ، عشر تيام ماحدش لا يخرج و لا يدخل ....

ـ الناس تموت بقى لا تاكل و لا تشرب عشر تيام ؟

ـ لا يا ناصح ، كل واحد يخزن أكله و شربه العشر تيام دول ...

ـ و المدارس و المصالح و الناس ؟

ـ وله انته ها تسهبل ؟ ما انتو بتعملوه لما بتبقوا خايفين من المظاهرات ، ساعتها ما بتقولوش لا مدارس و لا مصالح ليه ؟

بص بقى ، انته تنبه على الناس تجهز نفسها من يوم ( نظرت إلى السقف ) 10/10 ، مش برضه اللي جاي ده شهر عشرة ؟

ـ أيوة ، أكتوبر .

ـ أيوة ، من يوم عشرة عشرة ، و تلاته بالله العظيم اللي ها شوفه في الشارع بعدها لمموتاه ، ما اشوفش وش حد فيكم إلا بعدها بعشر تيام ، سامع و الا لأ ؟

ـ حاضر يا خالة ، حاضر ...

ـ نزلني بقى عشان أنبه ع الناس ، انته عاوز الورقة دي ؟

( تناولت إحدى الورقات الموجودة على الكراسي الخلفية )

ـ لا خديها ، بس ها تعملي بيها إيه ؟

ـ ها تشوف دلوقتي ، نزلني بقى .

توقفت بالسيارة على جانب الطريق ،

نزلت ( لبيبة ) تناولت إحدى العلب المعدنية الملقاة بصندوق القمامة ، أخذت تطرق عليها ، بينما لفت الورقة كالبوق ، و أخذت تنادي من خلاله

ـ يا أهالي المدينة ،

( تطرق على العلبة المعدنية كالمنادي الذي يملأ حكاياتنا القديمة )

يا أهالي المدينة ،

كل اللي عاوز يخزن أكل أو شرب يلحق بسرعة ،

عشان فيه حصر تجول من يوم عشرة عشرة لمدة عشر تيام ،

عشان انفلوزا بتاع الخنازير ،

( تطرق )

و يا ويله يا سواد ليله اللي يخرج من بيته ،

و الحاضر يعلم الغايب ،

( تطرق )

يا أهالي المدينة ، يا أهالي المدينة .....

( أخذ صوتها يتردد في الفضاء )



ليست هناك تعليقات: