الأخفياء
قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : ( إن الله يحبّ العبد التقي
الغني الخفي ).
فمن هو العبد التقى، الغنى،
الخفى ؟
نص الحديث وقصته كما هو
في صحيح مسلم من حديث عامر بن سعد قال : كان سعد بن أبي وقاص في
إبله فجاءه ابنه عمر ، فلما رآه سعد قال : أعوذ بالله من شر هذا الراكب ، فنزل
فقال له : أنزلت في إبلك وغنمك وتركت الناس يتنازعون الملك بينهم ، فضرب سعد في
صدره فقال : اسكت ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله يحب العبد
التقي الغني الخفي .
وقال النووي في كتابه
رياض الصالحين : باب استحباب العزلة عند فساد الزمان أو لخوف من فتنة في الدين أو
وقوع في حرام وشبهات ونحوها .
وقد بيَّن النبي عليه
الصلاة والسلام فضل الرجل الذي يحبه الله عز وجلَّ فقال: ( إن الله يحبّ العبد التقي
الغني الخفي ).
التقي
: الذي يتقي الله عزَّ
وجلَّ ، فيقوم بأوامره ، ويجتنب نواهيه ، يقوم بأوامره من فعل كل أنواع البر
وأبواب الخير.
الغني
: الذي استغنى عن الناس،
غني بالله عزّ وجلّ عمن سواه ، لا يسأل الناس شيئاً ، ولا يتعرض للناس بتذلل ، بل
هو غني عن الناس ، مستغن بربه ، لا يلتفت إلى غيره.
الخفي
: هو الذي لا يظهر نفسه ،
ولا يهتم أن يظهر عند الناس ، أو يشار إليه بالبنان ، أو يتحدث الناس عنه ، خفي يخفي نفسه.
لماذا
الحديث عن الأخفياء؟
الحديث عن الأخفياء لاننا
لو نظرنا الى الرجال الذين نسمع قصصهم ونرى أثارهم ومصنفاتها ونرى أنهم أحياء ،
أحياء بذكراهم وبعلومهم وبنفعهم وإن ماتوا باجسادهم.
فنتساءل ما هو السر في
بقاء ذكراهم كأنهم احياء ؟
السر هو توجه القلب كل
القلب لله عز وجل ، توجهت قلوبهم الى الله فنالوا ما نالوا ووصل سمعهم إلى عصرنا
الحاضر.
فكان القلب علمه وعمله
لله سبحانه وتعالى.
وكان حبه وبغضه لله.
وقوله وفعله لله.
حركاته وسكناته لله.
سره وعلانيته لله.
يوم أن كانت الآيات هي
الشعارات التي ترفع ويعمل بها ، وهي الكلمات التي تتردد بالقلب و اللسان:
عاملين بقوله تعالى : ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ).
أما اليوم فلننظر لحالنا .
فقلوبنا تنافرت.
ونفوسنا مملوءة بالعجب
والكبر.
وأفعالنا للتزين وحب
المظاهر.
وأقوالنا طلب للاشتهار.
وهمومنا في الملذات.
وحديثنا في الشهوات.
وصدق صلى الله عليه وسلم
في قوله: ( إن الله كره لكم ثلاثة ، قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال ).
ولننظر الى حالنا كأمة
ذل ومهانة وهوان واحتقار.
حال هذه الأمة في هذا
العصر مذابح للمسلمين
واهانة لقيمهم وقرانهم
ونبيهم
فلو كانت القلوب متوجهة
إلى الله بصدق لا يكون هذا الذل وهذا الاحتقار لهذه الأمة .
رب ومعتصماه انطلقت ...... ملء أفواه الصبايا اليتم
لا مست أسماعهم لكنها......لم نلامس نخوة المعتصم
أخفياء
ولكن
ويكثر في هذا الزمان
الأخفياء ولكنهم أخفياء من نوع آخر.
أخفياء يختفون عن أعين
الناس، ويحرصون كل الحرص ألا
يطلع أحد من الناس على أعمالهم. هؤلاء الأخفياء هم الذين أخبر عنهم النبي صلى اله
عليه وآله وسلم في قوله:
(لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات
أمثال الجبال تهامة بيضاء ، فيجعلها الله عز وجل هباء منثورا) .
يقول راوي الحديث ثوبان
رضي الله عنه : يا رسول الله صفهم لنا ، جلهم لنا ، أن نكون منهم ونحن لا نعلم.
قال النبي صلى الله عليه
وسلم
: ( أما إنهم إخوانكم، ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما
تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ).
أخرجه ابن ماجة من حديث
ثوبان بسند صحيح .
وهناك ايضا أخفياء من نوع
آخر.
وهم الفاترون أهل الخمول
والكسل ، فلو أنك نصحت أحدهم وسألته عن أعماله فقلت له مثلا ماذا قدمت للاسلام
وماذا فعلت للمسلمين ؟
وأنت تريد له الخير
بنصيحته ، فيجيب هو على نفسه بتكبر وتأخذه العزة بالاثم . بقوله:
انا افقه فى الدين منك وهذا
بيني وبين الله ، وهل كل عمل أعمله لا بد أن أطلعك عليه؟
هو يظهر لنا الإخلاص ،
لكنه يخفي الحقيقة ، فما هي الحقيقة ؟ أظهر لنا الإخلاص وأخفى حقيقة نفسه ، فوقع
في الرياء . وما أكثر هؤلاء فى زماننا للأسف .
( يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ).
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
(فمن حسنت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وما بين الناس
ومن تزين بما ليس فيه شانه الله ).
ذكره ابن القيم في إعلام الموقعين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق