الدكتور
محمد مرسي رئيس مصر السابق
ثروت الخرباوي
فى
بعض الأحيان يجب على الكاتب صاحب الرؤية أن يحلل أو يؤرخ أو يُنظِّر، ولكن فى أحيان
الدماء والقتل لا مجال للتحليل والتنظير، لا مكان إلا للتحرير والتطهير، وعندما يصل
غضب الشعب إلى الذروة ويخرج الحاكم بخطاب من خطابات القاع فدعك من أنصاف الحلول ولا
تمسك العصا من المنتصف ولكن امسكها لمن عصى.
وعندما
يتطاير الدخان، دخان الفتنة والقنابل الخانقة القاتلة التى يطلق عليها تجاوزا «مسيلة
للدموع» وعندما تسيل الدماء أنهارا بسبب فشل النظام أو مشاركته فى الجريمة يجب أن يكون
الكلام واضحا، والكلام الواضح الذى يلتف حوله البعض هو أن مصر الآن بلا رئيس، فالرئيس
نقض عقد الرئاسة الذى بينه وبين الشعب، والعقد كما هو معروف، شرعا وقانونا، شريعة المتعاقدين،
وأعجب ما يقوله البعض فى الأيام الفائتة هو أن الرئيس من حقه أن يظل رئيسا قابعا على
صدر الشعب حتى نهاية مدته، فإذا بغى الحاكم واستبد وتجبر وتكبر وخالف الدستور وانتهك
دولة القانون فلا سلطان لنا عليه إلا بعد أربع سنوات! ساعتها ـ كما يتقولون- يحق لنا
عدم انتخابه مرة أخرى!!.
فى
المفاهيم الدستورية والقانونية تكون الرئاسة عقد اتفاق بين الشعب والرئيس، الشعب وقع
على العقد عندما انتخب الرئيس، والرئيس وضع توقيعه عندما أقسم على احترام الدستور والقانون،
فإذا خالف الرئيس عقده وتعدى على الدستور وانتهك دولة القانون وتعدى على مؤسسات الدولة
يكون قد فسخ عقده مع الشعب، وقتها يكون الكلام عن الصندوق مجرد لغو لا قيمة له، عقد
الرئاسة مثله مثل الوضوء للصلاة، إذا تم نقض الوضوء وجبت إعادته من جديد فلا صلاة بلا
وضوء، والرئيس نقض «وضوء رئاسته» عندما تعدى على أحكام القضاء وحين اعتدى على المحكمة
الدستورية، وحين اعتدى على منصب النائب العام، وحين قام بتعيين نائب خاص له أطلق عليه
تجاوزا «النائب العام»، وحين أصدر إعلانات دستورية فى الوقت الذى لا صلاحية له إلا
بإصدار تشريعات فقط ـ والتشريع القانونى غير الإعلان الدستورى ـ وحين جعل قراراته محصنة
مقدسة لا يجوز الطعن عليها أمام القضاء، وحين شل يد القضاء ومنعه من إصدار أحكام متعلقة
بمجلس الشورى والجمعية التأسيسية للدستور، وحين حاصر رجاله المحكمة الدستورية ومنعوها
من إصدار أحكامها فلم يأمر جنابه شرطة ولا جيشا بفض هذا الحصار ومحاكمة مرتكبيه؛ لأنهم
بفعلهم هذا قد ارتكبوا جناية يعاقب عليها قانون العقوبات، وحين حاصر رجاله مدينة الإنتاج
الإعلامى فى بلطجة غير عادية وتعدوا على الإعلاميين دون أن تحرك الشرطة ولا نائبه الخاص
ساكنا، وحين قتلت جماعته شباب المتظاهرين السلميين أمام أسوار قصر الاتحادية وجاء القاتل
يبكى متشبها بإخوة يوسف الذين جاءوا أباهم عشاءً يبكون بعد أن ألقوا أخاهم فى الجب،
وحين انفرد بجماعته بتزوير وتمرير دستور ملاكى تم تفصيله خصيصا لـ «صاحب المحل»، وحين
قاموا بفجور منقطع النظير فى تزوير الاستفتاء على الدستور، وهو الأمر الذى شهد عليه
العالم كله ولا تنفعهم حججهم التى ساقوها بأن القضاء هو الذى أشرف على الاستفتاء؛ لأن
هذا الإشراف كان أعرج يسير على ساق واحدة، فضلا عن أن القضاء الذى أشرف هو قضاء الإخوان
الذى كان شبيها بقضاء مبارك الذى أشرف على الانتخابات المزورة لمجلس شعب عام 2010.
الرئيس
نقض رئاسته عندما أطلقت شرطته الرصاص الحى على أهل السويس وبورسعيد فأردت العشرات قتلى،
ثم خرج بعد ذلك فى خطابه الفج يحييهم ويشد على أيديهم، ولا تظن خطأ أنه حيا أهل بورسعيد
والسويس القتلى ولكنه حيا القاتل على قتله، أما الإخوة الذين يتمحكون فى الإسلام ويقولون
إن تلك الجماعة التى أخرجت لنا هذا الرئيس هى جماعة تبتغى الله ربا والإسلام دينا ولا
يصح لنا أن نقف حجر عثرة فى طريقها فأقول لهم: هذه جماعة لا تعرف من الإسلام إلا شعاراته،
أما محتواها فهو نقيض الإسلام. الحقيقة أيها المخدوعون بالشعارات هى أن إسلامنا غير
إسلامهم، فإسلامهم يقوم على الاستعباد والرضوخ والتكفير، الأعلى يستبد والأدنى يرضخ،
أما إسلامنا فهو إسلام العزة والحرية والكرامة والتفكير، إسلامهم لا يقوم إلا على الظلم
واستعباد الشعوب واستبعاد المختلفين، فمتى استعبدتم الناس يا دكتور مرسى ـ يا رئيس
مصر السابق ـ وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟!