إنه يتجول بيننا !!
الانسان يموت . يولد الكثير من بني البشر لكن الدنيا لا تحتفظ بهم جميعا .. إنها أشبه بمعبر يعبره الناس .. فأين أبونا آدم ؟؟ .. وأين الأنبياء والمرسلون ؟؟ .. وأين محمد صلى الله علي وسلم ؟ أين الجدود وأين الآباء ؟ .. كلهم ماتوا .. البعض منا ليس بينه وبين آدم عليه السلام أحد من الآباء أو الجدود على قيد الحياة فالموت يتجول بيننا بنشاط بالغ وهو يخطف الصحاب والجيران .
فالنباتات تذبل وتموت قليلة هي النباتات التي تبقى مخضرة فترات طويلة وحتى هذه النباتات لا تلبث أن تموت أما معظم النباتات فإنها تنبت صغيرة كما يولد الوليد فيشتد عودها حتى حين .. وسرعان ما تذبل وتموت فالموت يتجول في الحقول .. يحصد النباتات حتى الشجر طويل العمر .. إذا سرنا تحته في أي وقت وجدنا أوراقا ميتة سقطت جافة مصفرة وتباعدت عن أخواتها الخضر التي ما زالت على الغصون .. الموت يتجول بين الفروع ينتقي ما انتهى أجله من أوراق.
والدواب تموت حتى الدواب التي سخرها الله عز وجل لنا لا تبقى .. لا فرق بين فرس معتني به أو قطة مهملة .. لا فرق بين ثور قوي أو حمل ضعيف ..
أما موت الأفيال الضخمة فأمره عجب ! إن للأفيال مقابر تذهب إليها بنفسها عندما يأتيها الموت مكان واسع ناء لا ندري كيف اتفقت الأفيال جميعا أن تذهب اليه عندما يأتيها الموت إنها هداية من الله عز وجل وترتيب وإلا من كان سيحمل الفيل الميت من الطريق إن مات هو فيه ؟ الموت يتجول بين الدواب ويسوقها الى حيث تموت فتموت بدون أن تؤذي غيرها.
والجماد يموت سواء كان الجماد لينا او كان صلبا .. فإنه يبلى .. أما رأيت الملابس الجديدة تفقد رونقها كأنها تشيخ ثم أنها تبلى كأنها تموت أما الصلب من الجماد فقد يكسر ولم يحدث أن اقتني إنسان متاعا أو أثاثا إلا واعتراه التغيير .. حتى إن صاحبه اذا استغنى عنه فانه يصير ذكرى لا تختلف كثيرا عن ذكرى من مات . حتى المعادن والصخور تهاجمها عوامل الموت فتصدأ او تتأكل من عوامل التعرية فالموت يتجول بين الجمادات فيختار ما انتهى أجله.
والمذاهب والأفكار تموت كم من المذاهب والأفكار والجماعات أثرت في حياة البشر ثم اندثرت .. كانت ملء السمع والبصر وربما كانت لها دول لكنها ماتت فأصبحت ذكريات .
قال تعالى عز وجل: ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ) فالموت يتجول بين المذاهب والأفكار والجماعات فينال منها فتختفي.
حتى الذكرى ايضا تموت والذكري - سارة كانت أم محزنة - تخبو حتى تموت ولو لم تمت الذكرى السارة لوقع الإنسان أسيرا لمتعتها فلم يعمل لغيرها ولو لم تمت الذكري المحزنة لعاش الانسان مقيدا بلوعتها فلا تستقيم له حياة ولا يهنأ له عيش فالموت يتجول بين الذكريات ينتقي منها ما يجب أم يموت فننساها. فالموت دائما يتجول بيننا.
مقتطفات من كتاب رياض الجنة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق