30‏/12‏/2012

الهبل الوطني



الهبل الوطني

مشفق أنا جدا علي المتحزبين في  مصر فالذي يضيع في الرجلين هم مجموعات من الجماهير المصرية الغلبانة والتعبانة والفقرانة التي لا تملك شيئا سوي هذا الانتماء الساذج والمفرط في الهبل الوطني الذي يجعل من حب جماعة أو حزب  حبا للوطن ويعبر عن الإخلاص للبلد في صورة سب وقذف وضرب وحرق المنتمين الى الحزب أو الجماعة الاخرى .
هؤلاء المنتمون  في غالبيتهم شباب أو أناس مضحوك عليهم متوسط الثقافة عندهم محبط وهائم  . واغلبهم بلا عمل وبلا مشروع ولا قضية أقنعتهم هذه الجماعات المهووسة بأن حب الحزب أو الجماعة هو أسمي معاني الحياة وأن الآخرين حاقدين وحاسدين وظلمة فأطلقوا الغوغاء من عقالهم ولخصوا معني الوطنية في بذاءة اللسان وسفه القول ضد الاخرين وأن رمي  الطوب علي الاخرين والتهليل والتهبيل هو من فضائل الايمان ولا يعلمون ان  التبعية البغيضه هي التى جعلتنا كأننا في حرب ضروس.
الفئة الباغية في مهزلة وعار أحدثت العنف المتبادل بين ابناء الوطن الواحد وهذه الفئة هم رجال السياسة والإعلام المنحط والوعاظ المنعدموا  الكفاءة وسفهاء العقل الذين يتميون باضمحلال الوعي والثقافة . أما الشعب فقد تحول إلي جماهير شغب تم شحنهما بالغضب والحقد تجاه بعضها واستغلال مشاعر ساذجة وعصبية متوقدة  وتعصب أحمق في إشعال حريق نفسي وسياسي لن ينطفئ سريعا ولن تزول آثاره بسرعة . مواطنو مصر مازالوا يعانون المشاكل المكتسبة عبر السنين الماضية  والحالية من قمع وقهر سياسي وإرهاب وتطرف ديني  وبطالة  واحتكار للحكم من خلال احزاب  اظهرت نواياها في الاستبداد بالتوزيع غير العادل للسلطة . وأظهرت نواياها بالظلم الاجتماعي والاضطهاد الخفي والمعلن للمعارضين والتي اتخذت منحنيات خطيره داخل الوطن الواحد  .
جماعة تشرع دستورا كما يحلو لها وتضع في في مواده مايجعلها تبقي في الحكم مدي الحياة  واستفتاء هزلي  وأكذوبة مزورة . حديث مطنب وطاووسي عن الحكمة  والروعة فى هذا الدستور والإعلام الحكومي  ينافق ويقبل الأيادي في السياسة وفيما يخص الرئيس وسدنة الحكم وسدنة العرش . انتهاك  صارخ ومصادرة للراي تحت ظل قوانين هم واضعوها لن تنتهي . ما الذي يفعله الشعب إذن أمام وتحت وطأة كل هذا ؟
يغرق جزء من الشعب في انتصارات وهمية . ويغطس في وحل التعصب الأحمق ويختصر الوطن في التعصب لجماعة أو حزب . ويصنع أبطاله  الوهميين الذين لا يصلحون لشىء غير الكلام . ويسرق الشعب فرحته من قلب تعاسة محكمة ومتحكمة حين يحاصر مؤسسة أو يعزل قاضيا . أو يغلق قناة اعلامية . فهل هذا مبرر لفرح وطني هائل ورائع . وتحويل هذا إلي بطولات وطنية لننفخ في ذاتنا ونعتبر أنفسنا سادة العالم  .
نحن من الشعوب العطشي للفرح والمنكسرة  ثقافيا والتي تركض نحو هذا الانتماء المقيت تعويضا لها عن خيبات في الرزق  وأكل العيش والكرامة المبددة والكبرياء المهدور.
لايوجد غير الدول العربية التي تقوم بمثل هذه السياسات لأنها دول متخلفة سياسيا ولا تملك شيئا تعطيه للحضارة الإنسانية سوى التعصب والتطرف الديني .

هُزمنا جميعا

هزمَنا المتعصبون والجهلاء والحمقى، الذين أثاروا الفتنة وزرعوا بذور البغض والمرارة بين ابناء الشعب الواحد  بسبب المنافسة السياسية وحب امتلاك السلطه . وهزمَنا تعصب كان همه الأول في الأسابيع الماضية هو تأجيج الفتنة، في غيبة الحد الأدنى من الشعور بالمسؤولية الأخلاقية .  وأمام ضجيج الغوغاء ومزايداتهم وإزاء عمليات الشحن المريض التي مارستها الأبواق الخطابية . فقد تحولت السياسة  إلى معركة عبثية بين ابناء الشعب الواحد . تقطعت الصلات الحميمة التي تربط  ابناء الوطن . وداست الأقدام على القيم النبيلة التي تتخلل نسيج العلاقات التاريخية والنضالية التي جمعت ابناء الشعب . وأهدرت الأولويات التي ينبغي أن تحتل مكانها.
انتصرت ثقافة المتعصبين والجهلاء والغوغاء والرويبضات . وضاع صوت العقلاء الواعين بحقيقة الأمة التي ننتمي إليها .  الأمر الذي حوّل احداث الاتحادية إلى فضيحة مجلجلة . أشعرتني بالاشمئزاز والقرف، حتى تمنيت أن تلغى الانتمائية والحزبية  في العالم العربي . طالما أنها صارت سبيلا إلى إشاعة الخصام والكراهية والنقمة بين ابناء الشعب الواحد .

دعوها فإنها منتنة

يقول الرسول الاكرم صلى الله علية وأله وسلم فى خطبة الوداع :
(يا أيها الناس ألا ‏ ‏إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا ‏ ‏لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى أبلغت قالوا بلغ رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ثم قال أي يوم هذا قالوا يوم حرام ثم قال أي شهر هذا قالوا شهر حرام ثم قال أي بلد هذا قالوا بلد حرام قال فإن الله قد حرم بينكم دماءكم وأموالكم و أعراضكم ‏ ‏كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا أبلغت قالوا بلغ رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ليبلغ الشاهد الغائب ).
وها هو مربي هذه الأمة وقائدها -عليه الصلاة والسلام- يعلم ويربى إذ يقول لخير القرون كلها المهاجرين والأنصار : ( دعوها فإنها منتنة ).. وما هي ؟ صيحة نادى بها أنصاري : ياللأنصار ، وردَّ مهاجري : ياللمهاجرين فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : ( ما بالُ دعوى الجاهلية ؟ ) قالوا : يا رسول الله كسَعَ رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار ، فقال : ( دعوها فإنها منتنة ) فانتهى أمر هذا النتن ، وماتت نعرة الانتماء واختفت لوثة القوم .
إن هذه الروح الإيمانية . وهذا الانضواء تحت راية واحدة . خلَص المجتمع من عصبيات وانتماءات قاتلة . بمجرد أن عاشوا حقيقة المواطنة  .

ليست هناك تعليقات: