30‏/12‏/2012

فجر الضمير



فجر الضمير
جيمس هنري برستيد
يظل كتاب «فجر الضمير» للعلامة المستشرق جيمس هنري برستيد كتابا رائدا ومصباحا لا ينطفئ طوال القرن الماضي وحتي الآن. وتظل الحاجة إلي قراءة هذا الكتاب ملحة ومتجددة لما يحتويه من إنصاف وتصويب لحقائق التاريخ.
فجر الضمير الذى بزغ عند المصريين القدماء .
الفراعنة سبقوا العبرانيين في الأخلاق والفضيلة
يظل كتاب «فجر الضمير» للعلامة المستشرق جيمس هنري برستيد كتابا رائدا ومصباحا لا ينطفئ طوال القرن الماضي وحتي الآن. وتظل الحاجة إلي قراءة هذا الكتاب ملحة ومتجددة لما يحتويه من إنصاف وتصويب لحقائق التاريخ.
فقد سبقت الحضارة الفرعونية كل الحضارات بآلاف السنين، وليس صحيحا أن العبرانيين كانوا أسبق في المعرفة والحكمة من المصريين بل كانوا وسطاء بين الحضارة اليونانية القديمة والمصرية الأقدم.
كتاب يصحح مسار التاريخ ويعيد ترتيب الحقب والكشوفات الأثرية والبرديات والنقوش الحجرية. إنه حجة علي كل الأباطيل التي تروجها بعض الجهات لحساب أفكار سياسية في الأساس.
يقول برستيد: إن أعظم ظاهرة أساسية في تقدم حياة الإنسان هي نشوء المباديء الخلقية وظهور عنصر «الأخلاق»، وهو تحول في حياة الإنسان، يدلنا التاريخ علي أنه وليد الأمس فقط، وقد يكون من الخير أن نعيد الإشادة بتلك القيم القديمة التي أصبحت في زوايا الإهمال لاستخفافنا بها، وبخاصة في هذا الوقت الذي أصبح فيه الجيل الحديث ينبذ الأخلاق الموروثة، ولكي نتمثل صورة حقة لقيمة الأخلاق الفاضلة وتأثيرها في الحياة الإنسانية يجب أن نجتهد في الكشف علي الطريقة التي وصل بها الإنسان للمرة الأولي إلي إدراك الأخلاق وتقدير قيمتها.
فالوثائق القديمة تكشف لنا عن أصول اخلاقية وتكشف عن فجر الضمير ونشوء أقدم مثل للسلوك وما نتج عن ذلك من ظهور عصر الأخلاق.
الفضيلة الناقصة
يحكي العلامة برستيد حكاية طريفة حول الوصايا العشر: لقد حفظت في طفولتي «الوصايا العشر» وعلموني أن أحترمها لأنهم أكدوا لي أنها أنزلت من السموات علي موسي «وأن اتباعها لزاما علي، وأن أذكر أنني كلما كذبت كنت أجد لنفسي سلوي في أنه لا توجد وصية تقول: «يجب عليك ألا تكذب»، وأن الوصايا العشر لا تحرم الكذب إلا في شهادة الزور فقط، ولما اشتد ساعدي بدأت أشعر في نفسي بشيء من القلق وأخذت أحس بأن قانون الأخلاق الذي لا يحرم الكذب هو قانون ناقص.
مملكة الأخلاق
ومن هنا بدأت البحث في الديانات والمباديء الأخلاقية بمصر القديمة وبخاصة ما كان أساسه أوراق بردي في العهد الإقطاعي، وجاءت الكشوف الحديثة وأكدت أن أعظم كشف جاوز المألوف في هذه الناحية هو أننا عرفنا أن حكمة «أمينموبي» التي حفظت في ورقة مصرية بالمتحف البريطاني قد ترجمت إلي العبرية في الأزمان الغابرة وأنه بذيوعها في فلسطين صارت مصدرا أستقي منه جزء بأكمله من كتاب الأمثال في التوراة.
ويفسر العلامة برستيد الحقيقة القاتلة بأن أفكار الإنسان الأول الخلقية أتت نتيجة لخبرته الاجتماعية الشخصية بأنها تعد من أعمق المعاني لرجال الفكر في عصرنا، فالإنسان قد نهض إلي مرئيات الأخلاق من وحشية عصر ما قبل التاريخ علي أساس تجاربه الشخصية، فإن ذلك العمل كان يمثل انتقالا من عالم يجهل الأخلاق إلي دنيا ذات قيم باطنة تسمو علي المادة أي إلي دنيا تشعر لأول مرة بمثل تلك القيم، وبهذا العمل وصل الإنسان إلي الكشف عن مملكة جديدة، كما يعد الكشف عن الأخلاق هو أسمي عمل تم علي يد الإنسان من بين كل الفتوح التي جعلت نهوضه في حيز الإمكان.
وقد انبثق عصر فجر الضمير والأخلاق علي العالم دون أن يزج به من العالم الخارجي عن طريق منهاج خفي يسمي (الإلهام) أو (الوحي)، بل كان منشأه حياة الإنسان نفسه، ويرجع ذلك الانبثاق إلي مدة ألفي سنة قبل بداية عصر وحي رجال اللاهوت، فأضاءت مبكرا ظلمة الحيرة الاجتماعية، والكفاح الباطني في نفس الإنسان، فكان بذلك دليلا قاطعا علي قيمة الإنسان، ومهما قيل إن نورا سماويا ساقته القدرة الإلهية علي فلسطين خاصة فإن ذلك لم يحرم الإنسان من التحلي بتاج فخار حياته الذي ناله علي الأرض، وأعني بذلك التاج كشفه للأخلاق، فإنه يعد أعظم كشف حدث في مجال حياة التطور البشري.
المغزي الأخلاقي
علي أن كلمة أخلاق أو خلق في حد ذاتها تثير اهتماما كبيرا لأن معناها الأصلي مأخوذ من فعل معناه يشكل أو يكون أو يبني، ومعني كلمة أخلاق المشتق من أصلها يشبه بصورة تلفت النظر كلمة أخلاق التي معناها في الأصل اليوناني الطابع الذي يتركه المنقوش فوق الطين الطري أو الشمع أو الطابع الذي فوق المعدن في صك النقود.
وقد أبرز حكماء الأخلاق المصريون حقيقة هذا المعني وصار يعبر عنه عندهم بكلمة (ماعت) التي يريدون بها الحق أو الاستقامة والعدل والصدق، كما كان يراد بها النظام الخلقي الذي كانت فيه تلك الصفات هي القوي المسيطرة، وهذه الألفاظ مضافا إليها الضمير والأخلاق، تعد آثارا خالدة لذلك الانتقال الذي ظهر في الحياة فوق كوكبنا الأرضي، وقد ظهرت لنا ظهورا تاريخيا عن طريق الوثائق المصرية القديمة التي دونت فيما بين سنتي 3000 و2000 ق. م.
المصريون إذن هم الكشافون للأخلاق والضمير. ففي كتاب الموتي ويوم الحساب يقول المصري القديم:
إني لم أترك أحدا يتضور جوعا
ولم أتسبب في بكاء أي إنسان
وإني لم أرتكب القتل
إني لم أسبب تعسا لأي إنسان
إني لم أغتصب طعاما من قربان الموتي
إني لم أخسر مكيال الحبوب
إني لم أنقص الميزان
إني لم أغتصب لبنا من فم الطفل
إني لم أطرد الماشية من مرعاها
إني لم أضع سدا للمياه الجارية
وفي يوم الحساب ينكر المتوفي الغش وغيره من الصفات المذمومة إذ يقول
إني لم أنطق كذبا
إني لم أضع الكذب مكان الصدق
إني لم أنقض مكيال الحبوب
ولم أكن طماعا
ولم يكن قلبي متسرعا
ولم تأخذني حدة الغضب
إني لم أسب
ولم أكن متكبرا
إني لم أقتل رجالا
إني لم أسرق
إني لم أرتكب شيئا تكرهه الآلهة.
إن كتاب فجر الضمير هو خير كتاب قدم للناس، كما قال بحق مترجم الكتاب الدكتور سليم حسن ويري لنا أن المؤلف بكتابه فجر الضمير قد استطاع القضاء علي الخرافات التي كانت شائعة بين السواد الأعظم من علماء التاريخ القديم والحديث.
والان هل مات الضمير حين ماتت العدالة و ضاع الحق بين الناس ؟
لقد كان بزوغ الضمير فى مصر القديمة موازيا لنشأة الأديان ، و كان الدين محركا للحياة و للضمير قوة دافعة للمصرى القديم قادته للعلم والبناء ، فكيف تحول الدين الآن لمجرد طقوس و مظاهر لا تخترق الروح ، هل كانت المحاولات الدؤبة التى بذلت من العلمانيين لاقناع الناس بأن الدين يقتصرعلى الصلاة و الحجاب و الحج و فصله عن الحياة و عن معاملات الناس وراء هذا السقوط السريع للقيم والذى نعيشه الان .
ماذا حدث لنا ؟
ومن أين نبدأ حتى لا نشهد غروب الضمير ..وقد شهد أجدادنا بزوغ شمسه ؟


ليست هناك تعليقات: