عندما يتوقف العقل
واستشعر الحلم في كل الأمور ولا * تسرع ببادرةٍ يوماً الى رجلِ
وإن بُليت بشخص لا خـــــلاق له * فكن كأنك لــــم تسمع ولم يقلٍ
ان خريطة العالم قد اختلفت فلم يعد هناك اتحاد سوفياتي كعالم ثاني ، و لأن بلاداً كالهند و الصين و اليابان و كوريا الجنوبية و غيرها قد اخذت مكانها بين دول العالم الأول ، و لم يعد لدينا سوى عالمين : العالم الاول المتقدم ، و العالم المتخلف الذى هو عالمنا . و الاختلاف بين العالمين لا علاقة له بالمكان ولكن له علاقة بالفكر ، فالعالم المتقدم يختلف في المفاهيم و مناهج التفكير و العادات و التقاليد و باقي نظم المجتمع ، عن العالم المتخلف الذي لازال يعيش فى اطار العقليات الجامدة البدائية.
والمثقفون الواعون لايجب ان ينتموا الى عنصر اورابطة او طائفة ، في دول العالم الثالث ، التي أصبح اسمها مع ازدياد التدهور و التدني ، دول العالم المتخلف.
ان تزايد عدد مثقفي التلقي و المحفوظات خلق طبقة الغوغاء و الدهماء والتى هي الأكثر عدداً و حضوراً ، و هم ليسوا في حاجة إلى معرفة ، مع تخلي العقل عن وظيفته فقد تحولوا إلى بسطاء في الطاقة العقلية و الاستيعابية للمعارف.
و مع انتشار أجهزة الإعلام الحديثة ، و هذه الأدوات الإعلامية المتقدمة التي صنعها أهلها لمزيد من التثقيف و التعليم ، نستخدمها في بلادنا لتكريس منهج التلقين الجاهز و عدم الرغبة في تحصيل المعرفة من مصادرها السليمة لأنها بالفكر الجامد لا لزوم لها.
ولأن المجتمع الذى يتوقف فكره يتحول معظمه إلى طائفة من الغوغاء و هؤلاء هم المشكلة الحقيقية لأنهم لا يعلمون أنهم من الغوغاء ، و أنهم يميلون فى اتجاهاتهم إلى تقدير السطحية و توظيفها لتجلب لهم الفخر أكثر من أي قدرات عقلية أخرى لا يمتلكونها. فهم يحبون الإبهار و تصور لهم عقلوهم المحدودة معجزة الانتصارات الوهمية فتقوى قدرتهم على إحداث الفتن و القلاقل ، بأساليب تخلو من الحياء و الخجل ، وحتى ينالوا مايريدون ، ينحدر اسلوبهم إلى مستوى الغوغاء والدهماء من أصحاب الاساليب المتدنية ، تستهويهم الخرافة ، وبعدوا عن سمو الكلمة، واتبعوا تسطيح الكلام و اختصار الفكر فى كلمات ، وأمثال هؤلاء لا تحتاج جهداً عقلياً لمحاورتهم أو مناقشتهم أو التأكد من مدى علمهم .
ولذلك فان السطحية ادت الى اختفاء الاداء والوعى الحقيقي أمام مسوخ شانها الاسلوب البعيد عن الابداعات العلمية و الفنية وحتى يبقى أمثال هؤلاء هم العارفون الوحيدون و العازفون الوحيدون .
و ما نراه اليوم ماهو الا تقدم زائف يخشى ان يؤدى فى النهاية إلى التخلف بدلاً من التقدم ، ولقد كان تحلل المجتمعات و تفكك الأسر و انتشار الفجور و عموم الرذيلة و ضياع الأخلاق و انحطاط القيم ، كان سببه اصحاب افكار سطحية نجحوا في النزول بالمجتمع الى الحضيض بين المجتمعات ، ويظنون انفسهم أهل القمة ، بل الجالسون فوقها بلا منازع.
ويقول الشاعر مفدى زكرياء:
هـي الأخلاق في الـــدنيـا دليـل إلـى درب العـــلا يحـدو الشبابـا
هـي الأخـــلاق معجزة البرايـا عـلى هـاماتـها تـــطأ الســــحابا
و تبني صـرح عزّتها شعـوب فتحدث في الدنـا العجب العجابـا
ليــــس بعامـر بنيـان قــــــوم إذا أخــــلاقـهـم كـانت خــــرابـا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق